حين يكون “الانتماء” ورقة عبور، و”المال” مفتاح السلطة، يصبح الحديث عن الكفاءة ترفًا. وهذه شهادتي من الداخل.

{"remix_data":[],"remix_entry_point":"challenges","source_tags":["local"],"origin":"unknown","total_draw_time":0,"total_draw_actions":0,"layers_used":0,"brushes_used":0,"photos_added":0,"total_editor_actions":{},"tools_used":{},"is_sticker":false,"edited_since_last_sticker_save":false,"containsFTESticker":false}
مولاي حفيظ اليمني/مقال رأي
كبرت في مدينة طاطا، وكنت أؤمن، مثل كثيرين، أن السياسة يمكن أن تكون وسيلة نبيلة للتغيير. أول مرة شاركتُ في الانتخابات، فعلتُ ذلك بدافع الأمل، رغم أنني كنت أرى نفس الوجوه تتكرر، ونفس الشعارات تعاد. لكنني كنت أقول لنفسي: “ربما نحتاج فقط إلى نفس جديد”.
مع مرور الوقت، لم أعد مجرد ناخب، بل قررت أن أتحمل المسؤولية من الداخل، أن أخوض تجربة حزبية حقيقية. التحقت أولًا بحزب الاستقلال، وكنت أرى فيه امتدادًا لمرجعية تاريخية قوية، وحزبًا له جذور في ذاكرة الوطن. تعلمت هناك الكثير عن الانضباط والتنظيم، لكنني شعرت في لحظة ما أن الآليات التقليدية تقيّد المبادرة، وأن الحماس الشبابي يُستهلك بسرعة في دهاليز الحسابات الداخلية.
لاحقًا، جربت خوض تجربة جديدة مع حزب الأصالة والمعاصرة. التجربة كانت مختلفة تمامًا: هناك دينامية أسرع، ومرونة أكثر في التعامل، ومجال أكبر للتعبير والاقتراح. لكنها في المقابل كانت تفتقر أحيانًا إلى العمق في التأطير، وشعرت أن الاندفاع التنظيمي لم يكن دومًا مرفوقًا برؤية واضحة تُترجم محليًا .
كنت أعتقد أن الفعل السياسي يبدأ من القاعدة نحو القمة، وأن صوت المنتخب المحلي مسموع، وأن القرب من المواطن يمنحك قوة اقتراحية. لكني اكتشفت أن القرارات الحزبية تُطبخ في الأعلى، وتُفرض على القواعد، وأن النقاش الحقيقي غائب. كنت أشارك في الاجتماعات، أطرح أفكارًا، أتحمل المسؤولية، لكن في النهاية كانت توجهات مسبقة تقرر مصير كل شيء.
رأيت بأمّ عيني كيف أن أصحاب المال، لا يتحكمون فقط في الانتخابات، بل حتى في إفراز النخب داخل المؤتمرات الوطنية. الكفاءة، التجربة، العمل الميداني… كلها تفاصيل ثانوية أمام من يملك المال أو الولاء التام. إما أن تكون “معي”، أو تُقصى، أو تُحاصر في الهامش. المعادلة بسيطة: “معي أو ضدي”.
هذا الوضع يخلق حالة من الإحباط لدى الكثير من المناضلين الصادقين. رأيت شبابًا أكفاء، نساءً متحمسات، ينسحبون في صمت لأنهم رفضوا أن يكونوا بيادق في لعبة أكبر منهم
رغم الاختلاف بين التجربتين، تعلمت شيئًا مهمًا: أن العمل من داخل الأحزاب ليس نزهة، لكنه ضروري. لا يمكن أن ننتقد النخب والفراغ السياسي، ونحن نقف على الهامش. السياسة لا تتغير بالدعوة الى المقاطع، ولا بمنشورات على الفيسبوك، بل بالعمل اليومي، والمساهمة في بناء بدائل من داخل المؤسسات.
ورغم أنني اكتشفت عن قرب كيف أن البعض “” يستغلون هذه المقاطعة كوسيلة لإعادة إنتاج انفسهم، وكيف أن البعض يفرغ العمل الحزبي من مضمونه، لم أفقد إيماني بأن هناك دائمًا أناسًا نزيهين، جديين، مستعدين للعمل في صمت.
ان اقليم طاطا يحتاج لنخب جديدة، لا تخجل من خوض التجربة، حتى وسط الفوضى. السياسة ليست فقط شعارات ولا حملة انتخابية موسمية، بل هي تربية ومسؤولية واستمرارية. وأنا اخترت أن أكون جزءًا من هذا المسار، مهما كان صعبًا، لأنني اومن انه لا أحد سيغير الواقع عوضًا عنا.
انني هنا لا ادعي المثاليًة، ولا أدّعي امتلاك الحقيقة. لكنني عشت التجربة، من الداخل، وسأبقى أؤمن أن السياسة الحقيقية تبدأ عندما نكسر جدار الصمت، ونقول الأشياء كما هي
سابقى مؤمنا ان السياسة تحتاج إلى أكثر من مقاطعة، وأكثر من منشور غاضب. بل تحتاج إلى شجاعة من داخل المؤسسات، إلى من يصمدون رغم الإقصاء، ويتكلمون رغم التضييق، ويُصرون على أن الكفاءة يجب أن تُحترم، وأن المال لا يجب أن يكون بطاقة عبور
ومع ذلك، اعود لاقول وبصوت مرتفع انني لا ولن أندم على التجربة. على العكس، علمتني الكثير. عرفت حدود الخطاب السياسي، وفضحت أمامي حقيقة الكثير من الشعارات. لكنها علمتني أيضًا أن التغيير لا يأتي من الخارج فقط. أحيانًا يجب أن نتحمّل خيبات الداخل، لنفهم كيف نبني مسارًا مختلفًا/
الى اللقا.